الكذب بحثا عن الحب في فيلم “نانسي”

بعد الإنتهاء من مشاهدة فيلم Nancy “نانسي” تشعر إنك تعرضت للخداع على مدار ساعة ونصف، كنت في انتظار اللحظة التي تعرف فيها هوية تلك المرأة الثلاثينية، وتصل معها إلى بر أمان، لكن تلك اللحظة لا تأتي أبدا، وينتهي الفيلم وتكتشف إن عليك أن تستعيد المتاح في ذاكرتك من أحداث الفيلم لكي تفهم قصة “نانسي”!

بوستر الفيلم

نانسي امرأة في منتصف الثلاثينات من عمرها، ترتدي ملابس مهترأة وغير منسقة، لا تجد ما يكفيها من الطعام، تعمل في وظيفة مؤقتة بعيادة أسنان، تعيش مع والدتها المريضة بداء باركنسون، لديها قط اسمه “بول”، كل هذا عادي لا غريب فيه، لكنك تبدأ في الشعور بشيء غريب عندما تقول لزملاء العمل إنها سافرت للسياحة في كوريا الشمالية.. ماذا! ومن يذهب إلى كوريا الشمالية للسياحة أو لأي غرض آخر!

الاندهاش مستمر، هذه المرأة حياتها خالية من المعنى، متعلقة بالإنترنت، نعرف من إشارة صغيرة إلى صحيفة باريس ريفيو على خطاب وصل إليها إنها تكتب القصص، لكنها تتلقى الرفض دائما. لديها العديد من المدونات، لديها معجبين بأسلوبها وموهبتها، تلتقي بواحد منهم في كافيه، لكن في الطريق إليه ترتدي تحت ثوبها شيئا ليجعلها تبدو (حامل) في الشهر السابع، نعرف فيما بعد إن هذا الرجل قد فقد طفلته بعد ساعات من ولادتها، وهي تلتقيه كـ (حامل) لكي تعطيه أملا، لكن لماذا تعطيه أملا بهذا الأسلوب؟!

إننا أمام امرأة تخترع هويات مختلفة لكي تنال اهتمام الناس، لا نشعر إن هناك رابطة قوية تجمعها بوالدتها، فحتى وفاة الأم كانتا متباعدتين، ولم نرى بينهما غير الغضب المكتوم خاصة من جانب “نانسي”، تشعر إن هذه الحياة لا تعجبها، وتتمنى حياة آخرى بدون معاناة. لا يمكن إغفال أيضا إن “نانسي” لا تتحدث كثيرا، لا يظهر على وجهها أي انفعالات، على العكس تقابل كل ما يحدث لها بالصمت والوجه البلاستيكي نفسه حتى لو كان الموقف الذي وجدت نفسها فيه هو وفاة الأم!


كانت “نانسي” تتصرف وتتحدث بتلك الطريقة التي لا تدع لك فرصة لكي تعتقد إنها تكذب

أتت لـ “نانسي” الفرصة سريعا لكي تجد لنفسها مكانا أفضل من شقة صغيرة فقيرة، شاهدت زوجين يتحدثان عن أبنتهما التي اختطفت من أكثر من ثلاثين عاما، ونشروا صورة لها في عمر الخامسة والثلاثين، امرأة شابة تشبه “نانسي” كثيرا، لم تفكر طويلا وتواصلت مع الزوجة وأرسلت لها صورة، دعتها المرأة إلى منزلها، لم تنتظر قادت سيارتها لساعات حتى تصل إلى منزل الزوجين. أمامنا الآن ربما يومين أو ثلاثة لنعرف إذا كانت “نانسي” هي نفسها “بروك” التي اختفت صغيرة.

تبدأ “نانسي” في نسج قصة طفولتها من جديد، بداية من شهادة الميلاد الضائعة، وإنها لم تكن تشعر إن تلك المراة “بيتي فريدمان” والدتها، وإن “بيتي” أخبرتها إنها ليست أمها البيولوجية بل ابنة لشخص ينتمي لصلة قرابة بعيدة لها. نحن صدقنا فعلا إنها ابنة الزوجين، استطاعت “نانسي” أن تجعلنا ننسى اختلاقها من قبل لشخصيات وأحداث، والأقرب أنها تختلق تلك القصة أيضا. نسينا إن لديها مخيلة خصبة قادرة على ابتكار القصص، لم نلاحظ عندما ذهبت إلى الغابة بحثا عن قطها إنها رأت بقايا بيت خشبي على الشجرة، وعادت لتخبرهما أنها تذكرت لعبها في بيت خشبي أعلى شجرة، فارتبك الزوجين وبدأ في الاقتناع إنها فعلا ابنتهما. وأصبحنا نحن ننتظر مع الزوجين نتيجة فحص الحمض النووي لكي ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، لكن هذا الفيلم بدون نهاية سعيدة!

جعلني فيلم “نانسي” أشعر إننا غالبا نغضب من الكذاب دون أن نبذل مجهودا في البحث عن دوافعه، في حالة تلك الشابة كان البحث عن الحب والاهتمام هو دافعها لكي تختلق الأكاذيب لدرجة أكاد أجزم إنها أيضا كانت تصدقها، اختفى من مخيلتها الفرق بين الحقيقة والوهم، كانت تتصرف وتتحدث بتلك الطريقة التي لا تدع لك فرصة لكي تعتقد إنها تكذب، تنظر في عيني محدثها بثقة، وتتحدث بنبرة هادئة وجسد ثابت ومشاعر باردة تماما، كل هذا من أجل أن تجعلنا نقتنع بصدقها ونستمر معها في قصتها الجديدة حتى تجد ما كانت تبحث عنه ثم تهرب من جديد بحثا عن شخص آخر تختلق من أجله قصة جديدة، وهكذا دون نهاية، فحياتها باردة خالية من أي معنى، على الرغم من استمرارها في الكتابة وامتلاكها طموح أن يُنشر لها نصا، لكنها تفقد الحب، الحماية، الأمان الذي يجعلها تتحرك بخطى ثابتة!



أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

المدونة على ووردبريس.كوم.