علاقة معقدة بين أم وابنها الأصغر في “العاجزة عن الكلام”

ليس سهلا أن تكتب عن فيلم أحببته، تشعر إنك لن تعطيه حقه، أو تعبر عن المشاعر التي غمرك فيها منذ الدقيقة الأولى وحتى النهاية.. الفيلم الهولندي Sprakeloos أو “العاجزة عن الكلام” واحد من تلك الأفلام بالنسبة لي، على الرغم من إنه صعبا أن يلفت الأنتباه، لكنه فيلم جميل مختبئ خلف الكثير من الأفلام ضعيفة المستوى.

بوستر الفيلم

“العاجزة عن الكلام” هي ممثلة مشهور عجوز تصاب بسكتة دماغية آثرت في قدرتها على الكلام، بشكل جعل منها امرأة شديدة العصبية وتميل إلى العنف، ومنذ اصابتها تتقاطع حياتها بشكل مدهش مع ابنها الأصغر “يان”، الكاتب المشهور، الذي يعكف على كتاب عن والدته “جوزي”، أحيانا لا نعرف إذا كان قد قرر كتابة مثل هذا الكتاب لأنه يحبها أكثر من أشقائه، أم لأنه يكرهها لتفضيلها شقيقه الأكبر الذي توفي في مرحلة الشباب على الجميع، وشعوره بالتهميش نتيجة لذلك، لكن ما نراه هو مزج بين الشعورين بشكل يُصعب معه الوصول إلى يقين!

بجانب التقاطع بين حياة “جوزي” بعد اصابتها بجلطة دماغية و ابنها الأصغر “يان”، يحاول “يان” استرجاع سنوات شباب والدته، منذ أن كانت في التاسعة عشر وحتى وفاة ابنها الأكبر، يحاول أن يستعيد هو تلك الذكريات، ليس من أجل كتابه الذي وصل إلى فصله الأخير، لكن من أجله هو لكي يتذكر كما كانت والدته في شبابها نموذج على النقيض تماما مما يراه الآن وهي عجوز مترهلة مصابة بجلطة دماغية أفقدتها القدرة على الكلام والتواصل مع من حولها، عنيفة، تحاول الهرب المرة تلو الآخر وتسير في الشارع بدون أن تعرف أين هي ولا كيف تعود من حيث أتت.

كان الفيلم حريص منذ البداية أن يشير إلى تفصيلة متعلقة بـ “يان” وهو رجل في منتصف الخمسينات من عمره، صاحب ميول جنسية مثلية ويعيش مع رجل يقاربه في السن، لكن لم أكن أعرف ما أهمية تلك التفصيلة في الأحداث إلا بعد مرور ثلثي الفيلم، فنعرف أن “جوزي” والدته كانت تراه عارا على عائلتها بسبب ميوله الجنسية، ولم تكن متقبلة لذلك على الإطلاق، مما خلق لدى “يان” شعورا عميقا بالنبذ والتهميش، ليس فقط بسبب تفضيلها لإبنها المتوفي لكن بسبب ميوله الجنسية أيضا.

علاقة معقدة جمعت بين “يان” و “جوزي”

لكن ما الجميل في فيلم Sprakeloos “العاجزة عن الكلام”؟

قصة الفيلم التي تمزج بين الماضي والحاضر بشكل مدهش، الماضي والحاضر معا مجتمعان في نفس الاماكن، كما إن العلاقات بين الشخصيات لا تقدم إجابات سهلة، لا تجعلنا ندرك بوضوح طبيعتها، لكنك تجمع خيوطها و تنسجها داخل عقلك مع مرور أحداث الفيلم، بالإضافة إلى رسم الشخصيات فكل الشخصيات رئيسية حتى لو لم تسيطر على المشاهد، فالأخ الغائب يؤثر على العلاقة بين الأم وأولادها الثلاثة، خاصة بينها وبين الأصغر بينهم “يان”، الحائر بين رغبته في مساندة أمه في مرضها، وتفانيه في خدمتها، وبين شعور عميق بالبغض ينتابه أحيانا كثيرة عندما تلوح له ذكرى اكتشافها لميوله الجنسية، أو ذكريات الطفولة حيث تُرك وحيدا بدون رعاية منها بسبب حزنها على ابنها المتوفى، دون أن يخفي شعوره بأنه يجب تركها ترحل حتى لا تعاني، فهو أكثر الأشقاء رغبة في “ترك العجوز ترحل” حتى لا تعاني المزيد. حتى تلك التفصيلة الخاصة بالكتاب المكتمل ماعدا فصله الأخير، الذي يعاني في كتابته خلال ذلك العام الذي مرضت فيه والدته، وبعد رحيلها سيصبح سهلا ان يكتب عنها، أو ربما يعيد كتابة الكتاب بأكمله إذا وجد الأسباب للتسامح والنسيان.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

%d مدونون معجبون بهذه: