“أريد حلا” فيلم مؤلم حاول تغيير قانون!

في نوفمبر من العام الماضي (2018) نشر الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي تقريرا بعنوان “نظام الضمان الاجتماعي في بريطانيا “اضطرني للدعارة”ـ وقال التقرير أن بعض النساء في بريطانيا يجبرن على ممارسة الدعارة بسبب “غياب كفاءة نظام الضمان الاجتماعي”، على الرغم من أن الحكومة البريطانية قالت “إن نظام الدفع في مؤسسة الضمان يجب ألا يضع أحدا في وضع صعب”. وما يحدث باختصار، بسبب تأخر الحكومة في صرف مبالغ الضمان الاجتماعي للمستفيدات منها من النساء، وبعضهن ينتظرن أكثر من ثمانية أسابيع متصلة، فيضطررن لممارسة الجنس مقابل المال لتوفير احتياجاتهن وأبنائهن.

ففي بريطانيا “يحصل الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم على مساعدات مالية في حال استيفائهم لشروط معينة، لكن منتقدي نظام الدفع للمحتاجين يقولون إنهم اضطروا للانتظار أسابيع للحصول على الدفعة الأولى من المساعدات”!

في هذه الحالة هناك قانون من المفترض إنه يعالج خللا ولكنه بدلا من معالجة الخلل تسبب في ارتكاب المستفيدات لجريمة، واستخدام أجسادهن لإطعام أطفالهن، ولذلك لابد من تعديل القانون وجبر الضرر الذي وقع على النساء نتيجة لذلك، مع ملاحظة أن الصحافة كانت وسيلة من وسائل إطلاع المجتمع وصناع القرار في هذه الحالة على الخلل الذي وقع وتأثيره..

في مصر، أنتج الفنان صلاح ذو الفقار فيلما سينمائيا بعنوان “أريد حلا”، من بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة عن قصة لحُسن شاه ومن إخراج سعيد مرزوق، حاول معالجة معاناة المرأة المصرية مع قانون الأحوال الشخصية، وقتها كان القانون المطبق يرجع لعام 1929، وكان القانون يضع شروطا محددة لكي تطلق المحكمة المرأة من زوجها بناء على دعوى قضائية، حقق الفيلم نجاحا كبيرا ووصل صداه إلى السيدة جيهان السادات ثم الرئيس السادات، فأصدر قرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض وإضافة بعض المواد إلى قانون الأحوال الشخصية، فيما يتعلق بكيفية توثيق الطلاق والإعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار، وأنه يعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها واخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها، والآثار المترتبة على نشوز الزوجة، وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها، واستحقاق نفقة الصغير على أبيه، وفرض القانون عقوبات جنائية لمخالفة بعض أحكام القانون، لكن للأسف قضت المحكمة الدستورية العليا في عام 1985 بعدم دستورية القرار بقانون الذي أصدره الرئيس السادات، لصدوره في غيبة مجلس الشعب (المجلس التشريعي).

لكن يظل فيلم “أريد حلا” واحد من الأفلام التي تُطرح عندما يتعلق بتأثير الفن على المجتمع، وقدرته على التغيير، حتى لو ألغت المحكمة الدستورية القانون الذي صدر بعد هذا الفيلم وأطلقت عليه الصحافة وقتها (قانون جيهان) نسبة إلى جيهان السادات!

ما هي قصة الفيلم؟

ترغب “درية-فاتن حمامة” في الحصول على الطلاق من زوجها الدبلوماسي “مدحت-رشدي أباظة” بعد عشرين عاما من زواج فاشل، وبعد سفر ابنهما الوحيد للدراسة في بريطانيا، تشعر إنها تستحق أن تعيش الحياة كما تريد هي، وحاولت أن تناقش المشكلة بهدوء مع زوجها وقالت له صراحة “عمر حياتي معاك ما كان ليها أي معنى”، لكن زوجها يرفض الطلاق ويتهمها أن خلف مطالبته به وجود رجل آخر في حياتها (!) فتبدأ رحلة “درية” للحصول على الطلاق من خلال المحكمة، وعلى مدار أربع سنوات تؤجل فيها القضية، ويمارس محامي كل طرف ألاعيبه الخاصة للفوز في النهاية، ترفض المحكمة دعوى “درية” وتبقي على الزواج لسنوات آخرى!

قالت الكاتبة الصحفية حُسن شاه بأن فاتن حمامة هي السبب في كتابتها لهذه القصة، فهي قصة حقيقية لصحفية كانت تعمل في مجلة آخر ساعة، وحاولت حُسن وفاتن عرضها على أكثر من منتج لكن الجميع رفض لكن الفنان صلاح ذو الفقار هو الوحيد الذي تحمس للفكرة وأنتج الفيلم، وكان السبب في رفض المنتجين إن “القصة جادة”!

ما يميز هذا الفيلم ليس فقط تأثيره الكبير ووصوله إلى صانع القرار وقتها، لكن أيضا القصص الثلاثة الرئيسية في الفيلم قصة طلاق “درية”، وقضية نفقة السيدة “حياة” التي أدت دورها الفنانة أمينة رزق، مع قصة “سنية” التي أدت دورها الفنانة رجاء حسين.

“حياة” امرأة مسنة طلقها زوجها بعد اقترانه بأخرى أصغر سنا، فرفعت دعوى قضائية تطالب بنفقة؛ لأنها لم تعد في سن يسمح لها بالعمل، كما إنها لم تُنجب أولادا وليس لديها أقارب يمكن أن يتحملوا مسئوليتها، لكن المحكمة ظلت تؤجل الدعوى مرة تلو الآخرى حتى حكمت بالنهاية برفض الدعوى وإلزامها بمصروفات المحاماة؛ لأن الزوج لم يخل بالقانون ودفع بالفعل نفقة سنة، وفي حالة “حياة” نفقة سنة ليست كافية، وعندما استأنفت الحكم ماتت قبل أن تصدر المحكمة قرارها!

“سنية” امرأة شابة طُلقت من زوجها ولديها طفلين لا يرغب والدهما في الإنفاق عليهما، ويدعي إنه لا يملك الدخل الذي يسمح له بالإنفاق، رفعت “سنية” دعوى قضائية للمطالبة بنفقة، لكن مع تأجيل القضية والحيل التي قام بها طليقها لكي يتنصل من الدفع، امتهنت “سنية” الدعارة -بعد مقاومة طويلة- وطالبت في النهاية بإلغاء القضية، فهي لم تعد في حاجة إلى أموال طليقها!

ربما لا تكون مشاهدة فيلم “أريد حلا” ممتعة، بل مؤلمة بشكل عام خاصة بالنسبة للنساء، فالصراع الدائر داخل قاعات المحاكم، والمشاكل التي لا تُحل، والوقت الذي ينفذ، والعمر الذي يضيع منه سنوات طويلة في التأجيل، بالإضافة إلى تفاصيل القصص المحزنة، واضطرار النساء إلى “تعرية حياتهن” أمام القضاة وحضور الجلسات يجعل الأمر مؤلما بالفعل وليست مجرد كلمات محفوظة تقال لكي ينطق القاضي بالحكم بالطلاق. ما جعل قضية “درية” صعبة هو اصرارها أن تقول الصدق، وان تتمسك بالشرع في إنها ترغب في الطلاق من رجل تبغضه، ورفضت أن تقول أسباب يرغب القاضي في سماعها لكي يحكم بالطلاق!

القانون الذي يعود إلى سنة 1929 قد وضع مجموعة من الشروط لكي تُطلق المرأة مثل: جنون الزوج، أو مرضه بمرض يؤثر على حياتهم الزوجية، أو ضعفه الجنسي، لكن هناك الآلاف من الحالات لا يتوفر فيها أي شرط من هذه الشروط وتستحيل معها الحياة مثل قصة “درية”، فزوجها قد تزوجها بدون رضاها، فهي لم تكن تملك أن ترفض، يقيم علاقات جنسية مع نساء أخريات، ويعتبرها هي “فلاحة”؛ لأنها لا تفهم سلوكه، يضربها ويسبها ويحرمها من حقوقها، وتضطر انتظار 4 سنوات كاملة في المحاكم لكي تحصل على الطلاق، وفي النهاية لا يرى القاضي أن كل هذه الأسباب (كافية) لكي تحكم لصالحها، ولذلك فإن صدور قانون الخلع سنة 2000 قد ساهم في حل مشكلة ملايين النساء اللاتي لجأن إليه بعد فشل حصولهن على الطلاق بالتراضي.

“أريد حلا” ملىء بجمل الحوار التي تلخص حياة النساء في مصر، لكن أكثر ما أعجبني ما قالته “درية-فاتن حمامة” في جلسة المحاكمة الأخيرة قبل جلسة النطق بالحكم، كانت تعبيرا صادقا عن حياة النساء اللاتي يواجهن المشكلة نفسها، قالت عندما سألها القاضي لماذا لم ترفع قضية الطلاق منذ عشرين عاما طالما كانت تعاني، قالت: “مكنش بإيدي، لو كانت المسألة زي ما أنا عايزة كنت طلبت الطلاق من أول مرة سافرت معاه كزوج وزوجة. لو كان بإيدي مكنتش أتجوزته خالص بالطريقة اللى أتجوزته بيها من عشرين سنة. مكنتش أقدر أرفض أتجوزه، لقيت نفسى مجبرة على معاشرة إنسان كرهني في الجواز من أول يوم، ولما حاولت أعترض مكنش من حقي. عشرين سنة أديت فيها واجبي كزوجة وكأم، وأخفيت فيها احساسي كإنسانة ليها كرامة، لحد ما وصلت لسن اليأس. انا بطلب حقي، حقي في حياتي اللي وقفت عشرين سنة. حقي إني أعيش حرة بعيدة عن إنسان كرهته”.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

%d مدونون معجبون بهذه: