“قضية سميحة بدران”.. الصحفي كمخبر سري!

وقفت “سميحة” بعد أن تسلمت جائزتها تقول بخجل مفتعل ممزوج بشعور بالفخر:”أنا بصراحة مش عارفة أقول إيه، الكلام راح مني، لكن كل اللي عايزة أقوله، إن الجايزة مش ليا أنا لوحدي، الجايزة دي لكل صحفي بيحط رقابته على إيده، علشان يقول الحقيقة للناس..”، لوهلة أعتقد إني أشاهد النسخة المصرية من فيلم “فيرونيكا جيرين”، الصحفية التي اُغتيلت على يد عصابات المخدرات في “دبلن”، لكن تتابع المشاهد حتى مشهد النهاية، قد دمر الفكرة بالنسبة لي، ووجدت نفسي أمام قصة ساذجة لصحفية مصابة بجنون العظمة!

سميحة بدران، صحفية في مؤسسة حكومية، تخوض مغامرة صحفية لمدة 6 أشهر، حيث عاشت وسط عصابة لتجارة المخدرات، وأطلقت على نفسها اسم “المعلمة فكيهة”، ومشهد الافتتاحية يُفترض أن يكون ختام مغامراتها “الجريئة”، كانت ترتدي السواد، وتصرخ على شخص متوفي، هي المرأة الوحيدة، وحولها رجال كثر، واحد منهم صاحب ملامح حادة، قال لها: يا معلمة فكيهة إكرام الميت دفنه، سرعان ما نكتشف أن هذا “الميت” هو نعش من لفائف تحتوي على مخدرات، والسيدة لم تكن “المعلمة فكيهة”، ومن حولها كان مصورها، بالإضافة إلى رجال البوليس، الذي قبضوا على التاجر “عنتر”، وأنتهت المغامرة الصحفية بأن حصلت “سميحة” على جائزة نقابة الصحفيين في فئة “أفضل تحقيق”، وأخذت تقول :”… مخبيش عليكم الـ 6 شهور اللي عشتهم وسط عصابة المخدرات، كنت خايفة أوي ومرعوبة، رغم أن البوليس كان جنبي في كل خطوة، لكن الشيء الوحيد اللي كان بيخليني انسى الخوف، هو ألوف الضحايا اللي كنت بشوفهم بيموتوا كل يوم على إيد تجار المخدرات”!

أنا لم أفهم لماذا تحتاج الشرطة للتعاون مع صحفية لكي تدين تاجر مخدرات، والأهم، لماذا تتعاون صحفية مع رجال الشرطة وهي تنجز تحقيقا عن تاجر مخدرات؟، بالطبع هذه قصة متخيلة، لكن لا بأس من مقارنة مع قصة حقيقية لـ صحفية حاولت أن تدين عصابات تجار المخدرات في بلدها، “فيرونيكا” لم تستخدم رجال الشرطة لكي تُنجز تحقيقها، ببساطة ما حدث، أن الشرطة المختصة كانت واحدة من المصادر التي تستعين بها من أجل الحصول على بعض المعلومات، لم تكن تعمل تحت مظلة “الشرطة”، ولم توفر لها الشرطة حماية إلا بعد أن تعرضت لمحاولة أغتيال، وكانت تتعامل مع الجميع، مع كل أطراف القصة بصفتها الصريحة، صحفية في جريدة، وليست متخفية تحت اسم “المعلمة فكيهة”!

يمكن النظر إلى فيلم “قضية سميحة بدران”-إنتاج 1990- على إنه جزء من الصراع الذي كان مشتعلا بين نجمة مصر الأولى “نبيلة عبيد”، ونجمة الجماهير “نادية الجندي”، في العام السابق لعرض فيلم “سميحة بدران”، عُرض فيلم “الإرهاب” لـ نادية الجندي، وكانت تؤدي فيه دور صحفية أيضا، لكن صحفية متخصصة في تغطية أخبار الجريمة، وتعمل على حادثة إرهابية، ولذا في إطار المنافسة بين النجمتين، صُنع هذا الفيلم، ومن المنطقي إذا كنت تقلد فيلما ساذجا، أن يخرج فيلمك أكثر سذاجة!

لنكمل قصة “سميحة بدران” صاحبة القضية، فيما بعد أدركنا أن انخراطها في تحقيق عن تجارة المخدرات، جاء نتيجة وقوع شقيقها فريسة لـ الإدمان، فتحركت مشاعرها، وقررت أن تخوض مغامرة وسط عصابة لتجارة المخدرات، أدركنا فيما بعد أن من تسببت هي في سجنه ما هو إلا الطرف الأخير من شبكة كبيرة يتزعمها أشخاص أصحاب نفوذ، فلم نفهم ماذا كانت تفعل طوال الـ 6 أشهر إذا لم تنجح في كشف الشبكة بكاملها، وكل ما فعلته أن دفعت الشرطة للقبض على شخص واحد من عصابة، لم ترض عن سجن واحد منها فقررت الانتقام من الصحفية الحسناء!

فجأة استعاد الفيلم شغف السينما المصرية القديم بوضع امرأة جميلة وسط 3 رجال، لا يهم إن كانت صحفية أو بائعة عرقسوس، المهم وجدت “سميحة” نفسها محط إعجاب رجل الشرطة الذي ساعدها في مغامرتها “كمال الأنصاري-محمد وفيق”، وأيضا يطلبها للزواج مدير بنك وسيم “يوسف- يوسف شعبان”، والثالث رجل أعمال “عباس الدمنهوري- صلاح قابيل”، هو من دبر الفخ الذي ستقع فيه “سميحة” انتقاما منها على حبس “عنتر”، على أساس أن شهادة “سميحة” ومصور الجريدة “فؤاد خليل” هما الشاهدين الوحيدين في القضية، وإذا غيروا شهادتهما أو اختفيا ستنهار القضية من أساسها، لذا كان لابد من تزويج “سميحة” من مدير البنك لكي يؤثر عليها!

“سميحة” التي كانت تستعد لكتابة تحقيق عن “مافيا البنوك”، وكان سبب لقائها بـ “يوسف”-مدير البنك، ترفض الزواج من ضابط الشرطة، وتتزوج من “مدير البنك”، ليس هذا فقط، تقرر الاستقالة من الجريدة، بناءً على طلبه، وتحولت من صحفية صاحبة قضية (!) إلى سيدة مجتمع، وللأسف لم نراها تعترض أو تناقشها زوجها في قراره، رضخت تماما ولم تناقش!

لكن كيف ستكمل “سميحة” وهي لم تعد صحفية وقررت الاعتزال؟، كيف تدارك الفيلم استقالة البطلة في منتصف الفيلم؟!، ببساطة جعلها تخوض صراعات مع نفس الأطراف، لكن من منطلق شخصي، تحولت “سميحة” الصحفية التي من المفترض أن تعمل على موضوعاتها اهتماما بالشأن العام، إلى امرأة تخوض صراعات مع رؤوس الفساد-زوجها واحد منهم- من منطلق إنها متضررة بشكل شخصي، ابن شقيقها تم تسميمه، قريب شقيقها الثاني سُجن ومات في السجن، اكتشفت أنها زوجة ثانية، فعادت للكتابة في الصحافة بدافع الرغبة في الانتقام!

“قضية سميحة بدران” فيلم من إخراج “إيناس الدغيدي”، لذا كان لابد من وجود بعض من الإثارة، واستغلال أن بطلتها امرأة جميلة، فجعلت “سميحة” تستخدم هذا الجمال كسلاح في مواجهة الزوج بعد أن أكتشفت خيانته لها، ولا بأس من بعض الحيل، وسلوكيات تنتمي إلى كيد النساء، مع مواقف أضطرت لمواجهتها بـ “تلفيق” قضية سرقة، مع سرقة ملف شخص من البنك ونشره كوثيقة مع تحقيقها عن الفساد، ببساطة تحولت من شخص يسعى إلى تطبيق القانون إلى شخص يخالف القانون من أجل “تحقيق العدالة” كما يفهمها!

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

%d مدونون معجبون بهذه: