أحد الانتقادات التي وُجهت إلى فيلم “كلينت إيستوود” الجديد Richard Jewell كان متعلقا بشخصية الصحفية التي ظهرت في الفيلم، واتهامه بالإساءة إليها؛ خاصة وإنها شخصية حقيقية وليست متخيلة!

يروي فيلم Richard Jewell-إنتاج 2019- قصة حقيقية وقعت أحداثها على هامش دورة الألعاب الأوليمبية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996، حيث أُتهم رجل أمن ثلاثيني بالوقوف خلف تفجير قنبلة في متنزه، أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، وقالت جهات التحقيق إن الجريمة كانت “من أجل الشهرة”؛ نظرا لسجل Richard Jewell الغني بوقائع حاول فيها لفت الانتباه بطرق عدة!

منذ البداية كنا نرى صحفية تدير عملها بطريقة تبدو مريبة، تتحسس جسدها وهي تتحدث أمام مديرها، تخاطب زميلاتها بطريقة متعالية، وعندما ذهبت لتغطية حدث يدور على هامش دورة الألعاب الأوليمبية سألت رجل الأمن: أليس هناك جريمة تجري في الأنحاء؟ (!) هي تبحث عن جريمة بالأساس، لذا كان من السهل أن تلتقط واقعة التفجير التي حدثت في المتنزه وتعتبرها تقرير صحفي مثالي!

في الساعات الأولى بعد وقوع التفجير كان الكل يتعامل مع Richard Jewell بوصفه بطلا قوميا، وسائل الإعلام حرصت على إجراء مقابلات معه، عرُض عليه أن يكتب مذكراته، ولم تكن أجهزة الأمن يساورها الشك بخصوصه، لكن رئيس الجامعة التي كان يعمل بها “جول” موظف تطبيق قانون، قد أدلى للمحققين بمعلومات عن الرجل:”.. لم اتهمه بأي شيء، أرى الانتباه الذي يحصل عليه، إنه نوع الانتباه الذي كان يطلبه دائما هنا، يضايق الطلاب، يوقف الناس على الطريق السريع، لديه سلوك جنونبي فقط”، لذا أصبحت أجهزة الأمن تعتقد أن “جول” هو المتهم رقم واحد، وهو من وضع القنبلة في المتنزه من أجل الحصول على الشهرة.
“كاثرين” صحفية تعمل بجريدة تسمى “أتلانتا”، تعرف شرطي جزء من فريق عمل القضية، ذهبت إليه وهو يجلس في “بار”، وقالت له: هل يمكن أن تعطيني شيئا يمكنني طباعته؟، وأخبرته أن لديها مصدر يقول أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يتحرى عن شخص ما، وهي تريد معرفة من هو هذا الشخص. رد عليها الشرطي بلهجة شخص يعرف الأسلوب الذي تتبعه للحصول على الأخبار: أن لم تستطيعي الحصول عليه منهم (المصادر) بالمضاجعة، ما الذي يجعلك تعتقدين إنه يمكنك الحصول عليه مني بالمضاجعة؟!
التقطت هي الإشارة بسرعة، وبدأت في مداعبته ثم قالت: لن أستطيع الطبع بدون مصدر مستقل ثان!، وهنا صرح لها الشرطي بأن المكتب يتحرى عن “جول”؛ لإن لديه ماضِ يلائم “ملف مفجر قنبلة بطل”!، وهنا كان لابد أن تمنح له مقابل المعلومة، فقالت له: تريد الحصول على غرفة أو نذهب لسيارتي؟
كتبت “كاثرين” تقريرها، وأوردت فيه، أن حارس الأمن الذي أبلغ الشرطة عن القنبلة، هو هدف التحقيق، وقالت:”.. ريتشارد جول 33 سنة، موظف تطبيق قانون سابق يلائم ملفه مفجر قنبلة وحيد، هذا الملف يتضمن رجل أبيض محبط، شرطي سابق عضو في الجيش أو شرطي يريد أن يصبح بطل!

بعد نشر الخبر، صفق لها زملاؤها في الجريدة، اعتبروا أن ما كتبته “كاثرين” سبق نجحت في الحصول عليه، لكن هذا الخبر قد أفسد حياة “ريتشارد جول” تماما، حوله من بطل قومي إلى متهم، حاصرته وسائل الإعلام وطاردته حتى أضطر لعدم الخروج من منزله، بالإضافة إلى أن نشر هذا التسريب قد أثر على التحقيق، ووضع الشرطة تحت ضغط إثبات أن “جول” هو المسئول عن التفجير.. عندما واجهها محامي “جول” واتهمها بأنها طفيلية أفسدت حياة الرجل، ردت عليه محاولة الدفاع عن نفسها، أنها تقول الحقيقة للناس، لكن ما لم تقله كيف حصلت على هذه المعلومات، ربما إذا عرف الناس الطريقة التي اتبعتها ربما يغيرون رأيهم في النظر إلى ما كتبته، وفي إنتاجها كصحفية بالأساس!

كان أخر مشهد لـ كاثي في الفيلم “مهين” للغاية، كانت بدأت تحاول مراجعة ما سبق وكتبته، أكتشفت أن “جول” ربما يكون برىء، ذهبت إلى الشرطي الذي أقامت معه علاقة من قبل، قالت له إن “جول” ليس هو الفاعل، ووصل الحوار إلى نقطة قالت له فيها: أنت تحتاجني بقدر ما أنا محتاجة إليك، رد ببساطة: أنا لا أحتاجك أبدا، وتركها ورحل!

جسدت الممثلة Olivia Wilde في فيلم المخرج “كلينت إيستوود” Richard Jewell، شخصية حقيقية لصحفية اسمها kathy scruggs، وظهرت الشخصية في الفيلم بالاسم نفسه، مع إن الشرطي الذي قال الفيلم إنها أقامت علاقة معه، من أجل الحصول على أخبار، لم يُذكر اسمه الحقيقي، والمشكلة الأكبر هو أن “كاثي” الحقيقية قد توفيت منذ أكثر من عشر سنوات، عن عمر يناهز 42 عاما، ولن تستطع الدفاع عن نفسها، وربما ما ورد في الفيلم هو رواية الشرطي-ما زال على قيد الحياة- ولذا لا يمكننا الاطمئنان كثيرا إلى أن ما رأيناه في الفيلم هو ما حدث بالفعل، خاصة وأن زملاء “كاثي” في الصحيفة نفوا تماما إنها استخدمت وسائل غير أخلاقية من أجل الحصول على الأخبار.