“ليست قصة هذا الفيلم أسطورة ولا هي من نسج الخيال.. وإنما هي قصة حقيقية وقعت حوادثها قبل عام 1952 بسنوات.. وقد بدأ القدر ينسج خيوطها في إحدى بلاد الصعيد”، هذه السطور القليلة هي المعلومات التي أراد المخرج “نيازي مصطفى” أن نعرفها عن فيلمه “سلطان”-إنتاج 1958، والذي قدم فيه ولأول مرة الفنانة “نادية لطفي” في دور صحفية، تعمل بمؤسسة أخبار اليوم، وتبحث عن فرصة للنجاح وإثبات الذات، فدفعتها مصادفات عديدة في طريق “سلطان”-فريد شوقي، وهو رئيس عصابة تتخذ من الجبل مقرا لها، وفشلت الشرطة في القبض عليه وإنهاء أسطورته كزعيم قوي لعصابة الجبل!

يروي الفيلم قصة “سلطان” زعيم عصابة الجبل، منذ أن كان طفلا صغيرا يتيما يعمل كخادم في منزل واحد من ضباط الجيش الكبار، حتى بعد أن أصبح جنديا في الجيش، لم يترك منزل الضابط الكبير “عدلي كاسب”، وقضى مدة خدمته في الجيش كـ خادم وجندي مراسلة للضابط وعائلته، يتعرض للمؤامرات من الجميع، حتى كره الناس وظلمهم له وتحول بين يوم وليلة من “سلطان” الطيب إلى “سلطان” رئيس عصابة من اللصوص تسكن الجبل!

تعتبر “سوسن” الصحفية شريكة لـ سلطان في بطولة الفيلم، حتى مع وجود ممثل بارز كـ رشدي أباظة، وحتى مع ظهورها في الثلث الأخير من الفيلم، فـ سوسن التي ما زالت مبتدئة في عالم الصحافة، وتبحث عن فرصة، تستغل أن خطيبها “رشدي أباظة” ضابط شرطة فى قسم السيدة زينب، وابن للضابط الذي خدم “سلطان” في منزله، لتحصل على أول صورة تنشرها الصحف لـ زعيم العصابة، ومن هنا طلب منها رئيس التحرير أن تجد فرصة لمقابلة “سلطان” نفسه “في إمكانك يا سوسن إنك تعملي ضجة كبيرة جدا.. تخيلي العنوان ده: صحفية في أخبار اليوم تقابل المجرم الخطير الذي عجز البوليس عن الوصول إليه”!
داعبت الأحلام خيال “سوسن”، و تخيلت نفسها صحفية مشهورة يُكتب اسمها بالبنط العريض، وتُنشر الأخبار التي تكتبها في الصفحة الأولى، فقالت لـ رئيس التحرير:”تعرف إنها فكرة مدهشة وصعبة”، ليرد عليها رئيس التحرير قائلا:”علشان تكوني صحفية ناجحة لازم تعملي الشيء اللي مفيش صحفية غيرك تقدر تعمله”، الأحلام مشروعة، لكن بأي وسيلة ستحقق “سوسن” حلمها في النجاح كصحفية، هذا هو السؤال الذي تطرحه شخصيتها في فيلم “سلطان”!

قبل أن تبدأ “سوسن” مغامراتها، كان عليه أن تطلب الإذن من خطيبها “عصام”-ضابط الشرطة، لكنه يرفض وبشدة ويطلب منها أن تهتم بيت الزوجيه وتختار الأثاث بدلا من السعي لمغامرة صحفية، تحاول هي أن تقنعه “أديني فرصة اسمي يكبر والناس تعرفني وأبقى مشهورة”، لكنه رد وبحسم: أنتِ مستقبلك في البيت مش في البحث عن مجرم. ينتهي الحوار على إن “سوسن” مصممة على إجراء المقابلة، أما “عصام” فأعلن صراحة إنه “غير مسئول عن اللي هيحصل”! مما يعني أن “سوسن” فقدت الشخص الوحيد الذي كان يمكن أن يقدم لها مساعدة في الوصول إلى “سلطان” أو على الأقل يسهل لها الطريق إلى الجبل، فلم تجد “سوسن” حيلة سوى أن تراسل “سلطان”-الذي لا يعرف القراءة والكتابة- على إنها امرأة شابة معجبة به!
تبدأ هنا بداية تعقيدات العلاقة بين “سوسن” و”سلطان”، هي لم ترسل خطابها على إنها صحفية تود إجراء حديث معه، بل أرسلت له بصورتها مصحوبة بعبارات الإشادة بـ شجاعته وبطولاته، أي شجاعة وأي بطولات في تزعم عصابة من اللصوص تحتمي بالجبل، أي بطولة في شخص قاتل ومدمن للمخدرات التي يستخدمها كوسيلة لإخضاع أعدائه، لم تفكر “سوسن” وكتبت الخطاب وأرسلت صورتها مصحوبة بـ: سلطان بيه، أنا فتاة من أسرة كريمة أتمتع بمسحة من الجمال (..) سمعت بمغامراتك الهائلة فهزت قلبي هزا عنيفا من شدة اعجابي بشخصيتك وبطولتك العظيمة”، لذا كان من الطبيعي أن يسعى “سلطان” إليها ويجد هو السبل التي تسهل لها وصولها إلى الجبل، بعد أن أشعرته بالزهو، فقال لمساعده:”.. بقيت عامل زى نجوم السينما بيجيلي جوابات، بقيت عامل زي ليلى مراد وأنور وجدي..”!
سرعان ما وقع “سلطان” في حب “سوسن”، التي لم تخبره أبدا إنها صحفية، وهي بالطبع من ساهمت في نمو هذه المشاعر بداخله بعد أن أوهمته بأنها تتفهم تحولاته من إنسان بسيط مسالم إلى مجرم ورئيس عصابة من المجرمين، قالت له، إنه بطل، وشخصية تاريخية من شخصيات التاريخ، عنده عظمه وكبرياء “لكن مسكين حظه وحش، لإن مش معقول يكون بطل كده وينفي نفسه في الحتة المقبضة دي-تقصد الجبل- إلا لإنه كره الناس وادايق منهم، والواحد مبيكرهش الناس إلا إذا آذوه وعذبوه”!

مقابلة “سوسن” لـ سلطان كان لها تأثير عليها أيضا، لكن بالتدريج، في البداية فكرت ألا تكمل المغامرة، ربما شعرت إن أي نجاح ستجنيه من هذه المقابلة هو نتيجة خداعه لـ سلطان، لكن “عصام” أقنعها أن تستمر لكن بهدف مساعدة “العدالة” في القبض على “سلطان”، هنا نعود من جديد لتصوير دور الصحفي كـ مخبر سري أو متعاون مع الشرطة!
وافقت “سوسن” على التعاون مع الشرطة، ولا نعرف إذا كانت قبلت هذا التعاون لحبها وارتباطها بـ عصام، أم لخدمة مغامراتها الصحفية، أو لشعورها بأنها قادرة على المساعدة في القبض على “سلطان” بعد أن أحبها وبدأ يستعد لخطبتها، لكن ربما يكون السبب الأبرز هو خدمة مغامراتها الصحفية، حتى يكون لديها قصة متكاملة، حتى أنها خبأت معها كاميرا فوتوغرافيا، وأخدت تلتقط صور لـ سلطان وهو ملقى على الأرض ومنهك من آثار انسحاب المورفين، الذي بدأ في الإقلاع عن إدمانه بعد أن أحب “سوسن”، أراد أن يتغير من أجلها ليناسبها، ولم يكن يعرف أنها تستغله من أجل تحقيق حلم الشهرة!

المثير للدهشة إن “سوسن” التي حلمت بالشهرة، عندما رأت القصة التي كتبتها منشورة في الصفحة الأولى بالجريدة تحت عنوان: مجرم يقع في غرام صحفية ويعرض عليها الزواج.. اجرأ تحقيق تقوم به سوسن عبد الحميد المحررة بأخبار اليوم”، قد تغيرت مشاعرها، أصبحت غاضبة من نفسها بعد أن أدركت الأخطاء التي ارتكبتها في طريق الوصول للشهرة والنجاح المهني، فذهبت إلى رئيس التحرير-الذي يشبه مصطفى أمين- وقالت له: انا خلطت الخير بالشر ونجحت نجاح مر، علشان وثق فيا وغشيته ووعدته بالخير، وكان ممكن توجه بعيد عن الجريمة لو كنت صارحته بالحقيقة”.. وصلت “سوسن” أخيرا للحظة التغيير، إدراك أن النجاح عبر الغش والكذب حتى لو على مجرم هو نجاح مر، بل فشل مر، لكن الغريب أن رئيس التحرير لم يوافقها الرأي على خطأ السلوك الذي اتبعته لإنتاج قصتها، وقال لها بزهو شخص يمتلك اليقين المطلق في صحة ما يقول:”أنتِ عارفة أن الصحافة مهنة ملهاش قلب”، ونصحها أن تبلغ الشرطة عن مكان “سلطان” قائلا: سر المهنة لازم يُستغل لصالح العدالة”!
.jpg)
هل الصحافة مهنة بلا قلب؟
لا
هل الصحفيين أشخاص بلا قلب؟
– لا، ولا يجب أن يكونوا كذلك، لأي سبب
هل يستخدم صحفيون أساليب غير أخلاقية أثناء ممارسة عملهم؟
– نعم، لكن ذلك ضد أخلاقيات الصحافة، وبهدم أي عمل يسعون إلى إنتاجه. لا صحافة بوسائل غير أخلاقية.